[size=9]القبطان كراكوز .. صورة مستنسخة لواقع زائل
دمشق
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2008
جوان جان
بعد انتهاء عصره بفعل عوامل الزمن وتطور وسائل تقديم الأعمال الفنية وبشكل خاص الدرامية منها بقي فن خيال الظل حكراً على عدد محدود جداً من الفنانين الذين حاولوا إحياء هذا الفن وإعادته الى الذاكرة عبر أعمال مسرحية أو تلفزيونية تستعيده بشكل متجدد حيناً ومتحفي في معظم الأحيان.
صحيفة تشرين
ثقافة وفنون
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2008
جوان جان
بعد انتهاء عصره بفعل عوامل الزمن وتطور وسائل تقديم الأعمال الفنية وبشكل خاص الدرامية منها بقي فن خيال الظل حكراً على عدد محدود جداً من الفنانين الذين حاولوا إحياء هذا الفن وإعادته الى الذاكرة عبر أعمال مسرحية أو تلفزيونية تستعيده بشكل متجدد حيناً ومتحفي في معظم الأحيان.
[size=9]وربما كان الفنان زكي كورديللو آخر من عمل على إعادة احياء هذا الفن عبر سلسلة من الأعمال الموجهة في عدد كبير منها للأطفال وعدد قليل للكبار وباعتبار أن الوسائل المستخدمة في تقديم هذا الفن العريق تبقى محدودة مهما حاول الفنان تطويرها فقد سعى الفنان كورديللو لأن يكون مجدداً في الأعمال السابقة التي أخرجها والتي اعتمدت في شكلها الفني وبنيتها الدرامية على فن خيال الظل لكن هذه المحاولات كانت بالعموم ضئيلة التباين والاختلاف فيما بينها وبالتالي افتقرت الى إقناع المتلقي بالقدرة على التجدد الملحوظ فبقيت هذه المحاولات تدور في حلقة واسعة ولكنها مغلقة الى أن جاء العمل الأخير الذي قدمه الفنان كورديللو ضمن إطار عروض المسرح القومي في دمشق، والذي حمل عنوان «القبطان كراكوز» عن نص للكاتب التركي الساخر عزيز نيسين اعدّه وقام بمهمة مساعد المخرج بسام سفر.
[size=9]وسواءاً كانت المصادفة هي التي قادت كورديللو الى هذا النص أم بحثه عن نصوص من شأنها العمل على تطوير تجربته في مجال فن خيال الظل، فإن النتيجة كانت مبشرة بقدرة كورديللو أخيراً على الانتقال بهذا الفن من صيغه التقليدية التي صيغ أخرى أرحب فضاء وأقدر على تقديم فكر نقدي طالما تمكن مسرحنا السوري من ارتياد آفاقه في مراحل سابقة شكلت العصر الذهبي للثقافة في سورية.
[size=9]في هذا العمل أخرج كورديللو شخصيات خيال الظل الأساسية كراكوز وعيواظ من أسر الدمى وعيدانها الى حرية الفعل المسرحي المجسد على خشبة المسرح لحماً ودماً من خلال حكاية خالية تفترض انتقال كراكوز وعيواظ من حيز الحوارات والقفشات الكوميدية البسيطة إلى حيز الحكاية الهادفة التي يشكلان عمودها الفقري.
[size=9]تتحدث المسرحية عن رحلة بحرية بهدف جلب سفينة تحمل قيم الحق والحرية والديمقراطية إلى بلد لا وجود حقيقي له على أرض الواقع لكنه موجود عملياً على امتداد ما يسمى بدول العالم الثالث التي تزنر الكرة الأرضية من أدناها إلى أقصاها.
[size=9]هذه الرحلة وما آلت إليه من فشل ذريع تمثل بالصدمة في طبيعة ما سيتم جلبه، كانت المحطة الأخيرة بعد أن بسطت لنا المسرحية وبشكل موسع ودقيق المقدمات التي كانت بشكل من الأشكال سبباً لهذه النتيجة وبالمنطق العملي، فإن المقدمات الخاطئة لن تؤدي إلى نتائج خاطئة فقط بل إلى نتائج كارثية وهذه المقدمات عملياً كانت المحور الأساسي الذي ركزت عليه المسرحية باعتباره الهدف الأسمى لهذا العرض الذي نجح في ملامسة شيء أو أشياء في نفوس معظم من شاهده باعتبار أن تلميحاته وتصريحاته ببعض الأخطاء يمكن أن تنطبق على أي مرفق من مرافق العمل فشعر العامل في مجال العلوم على سبيل المثال ـ أن العرض يتحدث عن عالم العلوم الرحب، وشعر العامل في مجال التجارة أنه يتحدث عن التجار بمختلف مستوياتهم وشعر العامل في المجال الثقافي أنه يحاول مقاربة حال الثقافة الرسمية العربية بآدابها وفنونها وبذلك حاكى العرض ـ وربما بشكل حرفي أشياء إذا سمعنا بها لما صدقناها وإذا رأيناها بأم أعيننا لظننا أننا نعيش كابوساً لا نهاية له الى درجة أن ما تقدمه المسرحية على أساس أنه مبالغة غاية في تطرفها لا يمكن لها أن تتحقق بالشكل الذي هي عليه فإنه بفضل بعض أصحاب الرؤية المتقوقعة على ذاتها في العديد من مرافق الحياة أصبح أمراً عادياً لا وبل بديهياً وقد تجلى هذا في مجموعة المشاهد المتتالية التي جسدت من خلال سعي بعض شخصيات العرض للقيام بالوظائف المعلن عنها للالتحاق بالرحلة البحرية والتي تبين أن المعايير والمقاييس المعتمدة على الأهلية والخبرة والشهادات العليا والاختصاص لا وجود لها في عملية الانتقاء إذ تم استبدالها بمعايير ومقاييس تعتمد بالدرجة الأولى على ما أطلقت عليه المسرحية تعبير «الكولكة» وهي المصطلح العامي لكلمة النفاق وهي الكلمة التي أضحت بوابة العبور الى أي مكان وإلى كل مكان، إذ كلما امتلك «المكولك ـ المنافق» القدرة على إحناء رأسه للأسياد ولأذنابهم كان أقدر على الوصول الى أماكن لم يكن ليحلم بها في ظل وضع صحي ونظيف وعادل وهذا أدى الى سلسلة أخرى من المعايير المغلوطة التي تقلب الأمور رأساً على عقب، ومثال ذلك شخصية الرجل المتقدم لوظيفة المترجم فهو أولاً لا يجيد لغة غير لغته وثانياً يعاني من خلل خلقي يجعله يتأتئ في كلامه وهذان الأمران لا يكفيان لردعه عن التقدم لوظيفة المترجم وهو يرى أن لا أحد يوضع في مكانه الذي يناسبه لذلك يبدو محقاً في سعيه هذا فمقولة «من قال إن المترجم ينبغي أن يجيد لغة غير لغته؟» أصبحت أمراً شائعاً بتبديل كلمة مترجم بأية كلمة أخرى، لأننا في الواقع إذا بحثنا عمن ابتدع هذه المقولة الكارثية في أربعة أركان المعمورة لما عثرنا عليه لأن البديهيات في حياتنا كالطفل اللقيط لا أم له ولا أب، وهل يجب أن تنسب بديهية أن اللبن أبيض اللون الى شخص معين وتسجل باسمه حتى نقتنع بأنه أبيض، فإن لم يوجد هذا الشخص فإن بديهية بياض اللبن تبقى معلقة وخاضعة للتساؤل الأرعن: من قال إن اللبن أبيض اللون؟ وباعتبار أن العرض حاكى كافة الشرائح في أماكن عملهم ونشاطهم ومختلف مجالات اهتماماتهم فإن هذه المحاكاة شملت فيما شملته مختلف نواحي الحياة الموجهة والمسيرة في جزئياتها من قبل كراكوزات ميزتهم الوحيدة أنهم يحملون عقلية جاهلة ومعقدة ومريضة كانت منبوذة وستبقى كذلك ورطت أصحاب السفينة بأمور هم في غنى عنها وجعلت هذه السفينة مرتعاً للتردي الأخلاقي والمعني الذي حوّل ـ من ضمن ما حوّله ـ جسد المرأة وسمعتها الى مادة للابتزاز ونقلت القذارة من الشارع والخمارة الى مكان العمل وشوهت سمعة الكبار قبل الصغار بوسائل تم تجسيدها في المسرحية من خلال المشهد الذي صور كيفية اقتناع كراكوز بتشغيل الرجل العجوز بعد أن رأى زوجته الجميلة والشابة.
[size=9]تزامنت نهاية كل مشهد من مشاهد المسرحية مع رسم كاريكاتوري للفنان علي فرزات يتناسب تماماً ومضمون المشهد وهي رؤية اخراجية تؤكد التوجه نحو تقديم مضمون جاد ولكن بأسلوب كاريكاتوري يقارب الواقع بأعاجيبه ويحاكي الأعاجيب التي كانت سابقاً تبحر في عالم الخيال والأوهام وأصبحت اليوم واقعاً ثقيلاً لا بد زائل.
[size=9]مثلما كان هذا العمل سبيلاً لإخراج كراكوز وعيواظ من خيمتها فإنه مؤهل لأن يكون الخطوة الأولى نحو انتقال المخرج زكي كورديللو من أسر خيمة كراكوز التي كان وفياً لها لسنوات طويلة الى فضاء العمل المسرحي بتياراته المختلفة وهو القادر على ذلك. [/size][/size][/size][/size][/size]
[/size][size=9]وسواءاً كانت المصادفة هي التي قادت كورديللو الى هذا النص أم بحثه عن نصوص من شأنها العمل على تطوير تجربته في مجال فن خيال الظل، فإن النتيجة كانت مبشرة بقدرة كورديللو أخيراً على الانتقال بهذا الفن من صيغه التقليدية التي صيغ أخرى أرحب فضاء وأقدر على تقديم فكر نقدي طالما تمكن مسرحنا السوري من ارتياد آفاقه في مراحل سابقة شكلت العصر الذهبي للثقافة في سورية.
[size=9]في هذا العمل أخرج كورديللو شخصيات خيال الظل الأساسية كراكوز وعيواظ من أسر الدمى وعيدانها الى حرية الفعل المسرحي المجسد على خشبة المسرح لحماً ودماً من خلال حكاية خالية تفترض انتقال كراكوز وعيواظ من حيز الحوارات والقفشات الكوميدية البسيطة إلى حيز الحكاية الهادفة التي يشكلان عمودها الفقري.
[size=9]تتحدث المسرحية عن رحلة بحرية بهدف جلب سفينة تحمل قيم الحق والحرية والديمقراطية إلى بلد لا وجود حقيقي له على أرض الواقع لكنه موجود عملياً على امتداد ما يسمى بدول العالم الثالث التي تزنر الكرة الأرضية من أدناها إلى أقصاها.
[size=9]هذه الرحلة وما آلت إليه من فشل ذريع تمثل بالصدمة في طبيعة ما سيتم جلبه، كانت المحطة الأخيرة بعد أن بسطت لنا المسرحية وبشكل موسع ودقيق المقدمات التي كانت بشكل من الأشكال سبباً لهذه النتيجة وبالمنطق العملي، فإن المقدمات الخاطئة لن تؤدي إلى نتائج خاطئة فقط بل إلى نتائج كارثية وهذه المقدمات عملياً كانت المحور الأساسي الذي ركزت عليه المسرحية باعتباره الهدف الأسمى لهذا العرض الذي نجح في ملامسة شيء أو أشياء في نفوس معظم من شاهده باعتبار أن تلميحاته وتصريحاته ببعض الأخطاء يمكن أن تنطبق على أي مرفق من مرافق العمل فشعر العامل في مجال العلوم على سبيل المثال ـ أن العرض يتحدث عن عالم العلوم الرحب، وشعر العامل في مجال التجارة أنه يتحدث عن التجار بمختلف مستوياتهم وشعر العامل في المجال الثقافي أنه يحاول مقاربة حال الثقافة الرسمية العربية بآدابها وفنونها وبذلك حاكى العرض ـ وربما بشكل حرفي أشياء إذا سمعنا بها لما صدقناها وإذا رأيناها بأم أعيننا لظننا أننا نعيش كابوساً لا نهاية له الى درجة أن ما تقدمه المسرحية على أساس أنه مبالغة غاية في تطرفها لا يمكن لها أن تتحقق بالشكل الذي هي عليه فإنه بفضل بعض أصحاب الرؤية المتقوقعة على ذاتها في العديد من مرافق الحياة أصبح أمراً عادياً لا وبل بديهياً وقد تجلى هذا في مجموعة المشاهد المتتالية التي جسدت من خلال سعي بعض شخصيات العرض للقيام بالوظائف المعلن عنها للالتحاق بالرحلة البحرية والتي تبين أن المعايير والمقاييس المعتمدة على الأهلية والخبرة والشهادات العليا والاختصاص لا وجود لها في عملية الانتقاء إذ تم استبدالها بمعايير ومقاييس تعتمد بالدرجة الأولى على ما أطلقت عليه المسرحية تعبير «الكولكة» وهي المصطلح العامي لكلمة النفاق وهي الكلمة التي أضحت بوابة العبور الى أي مكان وإلى كل مكان، إذ كلما امتلك «المكولك ـ المنافق» القدرة على إحناء رأسه للأسياد ولأذنابهم كان أقدر على الوصول الى أماكن لم يكن ليحلم بها في ظل وضع صحي ونظيف وعادل وهذا أدى الى سلسلة أخرى من المعايير المغلوطة التي تقلب الأمور رأساً على عقب، ومثال ذلك شخصية الرجل المتقدم لوظيفة المترجم فهو أولاً لا يجيد لغة غير لغته وثانياً يعاني من خلل خلقي يجعله يتأتئ في كلامه وهذان الأمران لا يكفيان لردعه عن التقدم لوظيفة المترجم وهو يرى أن لا أحد يوضع في مكانه الذي يناسبه لذلك يبدو محقاً في سعيه هذا فمقولة «من قال إن المترجم ينبغي أن يجيد لغة غير لغته؟» أصبحت أمراً شائعاً بتبديل كلمة مترجم بأية كلمة أخرى، لأننا في الواقع إذا بحثنا عمن ابتدع هذه المقولة الكارثية في أربعة أركان المعمورة لما عثرنا عليه لأن البديهيات في حياتنا كالطفل اللقيط لا أم له ولا أب، وهل يجب أن تنسب بديهية أن اللبن أبيض اللون الى شخص معين وتسجل باسمه حتى نقتنع بأنه أبيض، فإن لم يوجد هذا الشخص فإن بديهية بياض اللبن تبقى معلقة وخاضعة للتساؤل الأرعن: من قال إن اللبن أبيض اللون؟ وباعتبار أن العرض حاكى كافة الشرائح في أماكن عملهم ونشاطهم ومختلف مجالات اهتماماتهم فإن هذه المحاكاة شملت فيما شملته مختلف نواحي الحياة الموجهة والمسيرة في جزئياتها من قبل كراكوزات ميزتهم الوحيدة أنهم يحملون عقلية جاهلة ومعقدة ومريضة كانت منبوذة وستبقى كذلك ورطت أصحاب السفينة بأمور هم في غنى عنها وجعلت هذه السفينة مرتعاً للتردي الأخلاقي والمعني الذي حوّل ـ من ضمن ما حوّله ـ جسد المرأة وسمعتها الى مادة للابتزاز ونقلت القذارة من الشارع والخمارة الى مكان العمل وشوهت سمعة الكبار قبل الصغار بوسائل تم تجسيدها في المسرحية من خلال المشهد الذي صور كيفية اقتناع كراكوز بتشغيل الرجل العجوز بعد أن رأى زوجته الجميلة والشابة.
[size=9]تزامنت نهاية كل مشهد من مشاهد المسرحية مع رسم كاريكاتوري للفنان علي فرزات يتناسب تماماً ومضمون المشهد وهي رؤية اخراجية تؤكد التوجه نحو تقديم مضمون جاد ولكن بأسلوب كاريكاتوري يقارب الواقع بأعاجيبه ويحاكي الأعاجيب التي كانت سابقاً تبحر في عالم الخيال والأوهام وأصبحت اليوم واقعاً ثقيلاً لا بد زائل.
[size=9]مثلما كان هذا العمل سبيلاً لإخراج كراكوز وعيواظ من خيمتها فإنه مؤهل لأن يكون الخطوة الأولى نحو انتقال المخرج زكي كورديللو من أسر خيمة كراكوز التي كان وفياً لها لسنوات طويلة الى فضاء العمل المسرحي بتياراته المختلفة وهو القادر على ذلك. [/size][/size][/size][/size][/size]
[/size][/size]